“نحن كبشر نحتاج إلى ما يحفزنا بصريًا. إذا كانت البيئة من حولنا غير مثيرة، فهي تفصلنا عن المكان وتُشعرنا بالوحدة.”
هي إحدى أهم المقولات التي أطلقها المصمم البريطاني الشهير توماس هيذرويك فى كتابه “الإنسانية مقابل المباني الرمادية” (Humanise: A Maker’s Guide to Building Our World)، حيث سلّط هيذرويك الضوء على التأثير النفسي العميق للعمارة الباردة والرتيبة، مشيرًا إلى أن ملايين البشر يضطرون للعيش في أماكن تفتقر للجمال والدفئ والتجدد البصري. وكذلك سلط الضوء على دور المعماري في هذه العملية و لأن عصرنا الحالى تتسارع فيه وتيرة الحياة وتزداد فيه الضغوط اليومية، لم يعد التصميم المعماري ترفًا بصريًا، بل ضرورة لتحسين جودة الحياة. وهنا يبرز دور المهندس المعماري باعتباره حجر الزاوية في تحويل الفضاءات الجامدة إلى بيئات نابضة بالحياة والراحة والجمال. فالمهندس المعماري لا يقتصر عمله على رفع الجدران أو رسم الخطط، بل يتجاوز ذلك ليصنع من المكان تجربة إنسانية متكاملة.
أولًا: المهندس المعماري كصانع للتجربة الحياتية:
1-التصميم المعماري بوصفه أداة لتحسين جودة الحياة:
تشير تقارير نشرتها كلية التصميم في جامعة هارفارد إلى أن التصميم المعماري الجيد لا يقتصر على الجمال البصري، بل يؤثر بشكل مباشر في تحسين الأداء الوظيفي للأفراد، وتقليل مستويات التوتر، وتعزيز الشعور بالراحة والانتماء. هذه النتائج تُظهر أن المهندس المعماري لا يصمم مجرد مبانٍ، بل يساهم في تشكيل نمط الحياة اليومية.
2-العلاقة بين الإنسان والفراغ:
من هذا المنطلق، يصبح دور المهندس المعماري أكبر من كونه تقنيًا، إذ يتحول إلى صانع للتجارب الإنسانية من خلال فهم العلاقة بين الإنسان والفراغ، وبين الشكل والوظيفة، وبين المبنى وسياقه الاجتماعي والثقافي. فالمبنى الناجح لا يُقاس فقط بمتانته أو تكلفته، بل بقدرته على تلبية احتياجات الإنسان النفسية والجسدية والاجتماعية.
رؤية نورمان فوستر:
*(فهم الإنسان أولًا):
يؤكد المعمار الشهير نورمان فوستر أن التصميم الجيد يبدأ بفهم الإنسان، وليس بالخرسانة أو الزجاج. ويُعد هذا المبدأ جوهريًا في فلسفة العمارة المعاصرة، حيث تُعلي من شأن البُعد الإنساني في التصميم، وتجعل منه نقطة البداية لأي مشروع معماري ناجح.
مهارات المهندس المعماري متعددة الأبعاد:
هذه الرؤية تلخّص بدقة جوهر مهارات المهندس المعماري، فهو ليس مجرد مصمم، بل يجب أن يكون مبدعًا، محللًا نفسيًا، اقتصاديًا، باحثًا، وفنانًا في آنٍ واحد. هذا التنوع في المهارات هو ما يُمكّنه من تحويل المساحات الجامدة إلى بيئات نابضة بالحياة تؤثر في سلوك الإنسان وتجاربه اليومية.
ثانيًا: من الجمود إلى الجمال – كيف يحدث التحوّل؟
ما يجعل المباني مملّة ليس افتقارها إلى الزينة، بل افتقارها إلى الفكرة. المهندس المعماري الناجح يضخ الحياة في الكتلة المعمارية من خلال عدة عناصر:
- استخدام الضوء الطبيعي: وفقًا لدراسات نُشرت في Journal of Environmental Psychology، فإن الضوء الطبيعي في المباني يحسن الحالة النفسية ويزيد الإنتاجية. لذلك يسعى المهندس لتوجيه الفتحات والإضاءات بما يعزز الراحة البصرية.
- التناغم مع الطبيعة: السير بيتر كوك، أحد مؤسسي Archigram، كان يؤكد على ضرورة دمج الطبيعة في البناء المعماري. النباتات، المواد الطبيعية، والتهوية الجيدة، كلها عناصر ترتقي بالمبنى من هيكل خرساني إلى مساحة إنسانية.
- الوظيفة قبل الشكل: يتبع كثير من المعماريين المبدأ الشهير الشكل يتبع الوظيفة. وهذا ما يميز تحفًا مثل متحف غوغنهايم في نيويورك (تصميم فرانك لويد رايت)، حيث تتكامل التجربة الفنية مع تدفق الحركة داخل المكان.
ثالثًا: دور المهندس المعماري في المدن المستدامة:
يقول تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إن المعماريين لديهم تأثير مباشر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تصميم مبانٍ موفرة للطاقة، ومراعية للبيئة، وداعمة للتنقل النشط. وهذا يتطلب من المهندس أن يمتلك مهارات المهندس المعماري الحديثة، مثل:
- فهم أنظمة البناء الخضراء مثل LEED.
- القدرة على استخدام برامج النمذجة البيئية.
- جامعات MIT و كورنيل و كامبريدج مراكز أساسية لتطوير الفكر المعماري، وهي تركز في برامجها ليس فقط على الإبداع، بل على دور المهندس المعماري في حل المشكلات الحضرية، مثل التكدس السكاني، والتغير المناخي، والتفاوت الاجتماعي.
- في Harvard GSD على سبيل المثال، يُشجَّع الطلاب على الجمع بين التصميم والسياسة والاقتصاد. وهذا التعدد المعرفي هو ما يؤهل المهندس لتحويل المباني إلى مشاريع تؤثّر في المجتمع.
- التصميم من أجل الحد من البصمة الكربونية.
رابعًا: تعليم العمارة ودور الجامعات الكبرى:
- جامعات MIT و كورنيل و كامبريدج مراكز أساسية لتطوير الفكر المعماري، وهي تركز في برامجها ليس فقط على الإبداع، بل على دور المهندس المعماري في حل المشكلات الحضرية، مثل التكدس السكاني، والتغير المناخي، والتفاوت الاجتماعي.
- في Harvard GSD على سبيل المثال، يُشجَّع الطلاب على الجمع بين التصميم والسياسة والاقتصاد. وهذا التعدد المعرفي هو ما يؤهل المهندس لتحويل المباني إلى مشاريع تؤثّر في المجتمع.
-
خامسًا: أمثلة واقعية على الإبداع المعماري:
- مكتبة سياتل المركزية (تصميم ريم كولهاس): كانت مكتبة تقليدية، أصبحت رمزًا للإبداع المعماري، بفضل التنوع الوظيفي والواجهات الديناميكية.
- حديقة High Line في نيويورك: مشروع إعادة إحياء لسكك حديدية مهجورة، حولها المهندسون المعماريون إلى مساحة خضراء مجتمعية.
- مدينة مصدر في أبو ظبي: نموذج لمجتمع مستدام بُني على مفاهيم معمارية متقدمة تُراعي البيئة والمناخ المحلي.
سادسًا: نظرة نحو المستقبل:
- المهندس المعماري لن يكون في المستقبل مجرد مصمم، بل قائد فكري يسهم في تشكيل نمط حياة أكثر استدامة وراحة. وسيعتمد نجاحه على مدى قدرته في مزج التكنولوجيا بالفن، والتخطيط بالخيال.
- وتُشير جامعة ETH Zurich إلى أن التحديات القادمة تتطلب من المهندس المهارة في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الواقع الافتراضي، ونماذج البيانات الكبيرة، وهو ما سيعيد تشكيل مهارات المهندس المعماري في العقود القادمة.
خاتمة:
- في النهاية، لا تكمن عظمة المهندس المعماري في جماليات البناء فحسب، بل في قدرته على تحويل الفكرة إلى واقع ملموس يخدم الإنسان ويحسّن حياته. إن دور المهندس المعماري هو تجسيد لحلم المجتمع في مسكنه، ومدينته، ومساحته الخاصة. وكلما اتسعت مهارات المهندس المعماري، كلما أصبح أكثر قدرة على تحويل المباني المملة إلى تحف معمارية تدهش وتلهم.
للحصول على خدمات موقعنا :